المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
المُثقَّف العربي في زمن التحولات التاريخية 'المثقف السوري والثورة... قراءة نقدية'

المُثقَّف العربي في زمن التحولات التاريخية 'المثقف السوري والثورة... قراءة نقدية'

 
المُثقَّف العربي في زمن التحولات التاريخية
"المثقف السوري والثورة... قراءة نقدية"

 

 

إعـداد: د. طالب عبد الجبار الدغيم- باحث متخصص في تاريخ المشرق العربي المعاصر

تاريخ النشر: 2021/03/10

 

مقدمة:

شَكَّلَ الحِراكُ الشعبي في سورية اختباراً وتحدياً للمثقف السوري الذي شغل سابقاً مكانه داخل منظومة السُلطة والمؤسسات التابعة لها، أو كان متخفياً في مملكة من الصمت والخوف، أو منفياً خارج حدود وطنه يَحلُم بفجرٍ وطنٍ جديد، فكانت انطلاقة الثورة في سورية صَدمةً وحُلماً للمثقفين، وعاملاً أساسياً في بلورةِ أدوارهم في اتجاهات مختلفة.

 

تُقدم الورقة قراءةً في دور المثقف السوري في سياقات الثورة السورية من بدايتها وحتى عام 2021[1]، وتَدرُسُ السجالية التي دارت حوله، وترصد طبيعة مشاركته في الهبَّة الشعبية التي بدأت في سورية منذ منتصف آذار/ مارس 2011م. كما تُثير الورقة تساؤلاتٍ حول أدوار المثقف السوري قبيل اندلاع الثورة السورية وبعدها؟ وما أبرز أدوار المثقفين السوريين في إطار الثورة؟ وبالتالي ما هي الأدوار الجديدة التي يُمكن للمثقف أن يلعبها في مستقبل الحياة السياسية والاجتماعية في سورية؛ ليُسهِمَ في تقدم وطنه ونهضته؟  

 

إنَّ موضوع المثقف ودوره أثناء التحولات التاريخية من المواضيع التي أُشبعت دراسةً وبحثاً وتحليلاً في الآونة الأخيرة، ولكن هذه الورقة تكشف عن إشكاليات معقدة عن واقع المثقف السوري، ومدى ارتباط أزمته بأزمة مجتمعه، وإستراتيجيته في التعامل مع السُلطة الحاكمة في سورية، وتبدَّت الصُعوبة في البحث؛ في تحديد منهجيةٍ لرصد المفاهيم المتعلقة بالمثقف "مُثقف عضوي ــ محافظ ــ تقليدي"، وفي إمكانية الإحاطة بكل أدوار المثقفين السوريين خلال الثورة.

 

ومهما يكن، فالدراسة تُقدم صورةً واضحة عن الإشكالات المطروحة حول المثقف السوري، وقد عَمدتُ إلى تنويع الوثائق والمصادر التاريخية، من خلال الاعتماد على الكُتب والمقالات، ومراجعة بيانات المثقفين السوريين، والاستماع لعدد من المقابلات على شبكات التواصل الاجتماعي، ومتابعة أوراق المؤتمرات التي عُقدت بهذا الخصوص، وكذلك الاطلاع على الأعمال الفنية والأدبية لعدد من المثقفين السوريين؛ وكله لتوضيح دور المثقف السوري في سياق الثورة السورية.

 

وسَنتجاوزُ في هذه الورقة كثيراً من أنماط المثقف السوري؛ للحيلولة دون الوقوع في عوائق معرفية، أو مطبّات إيديولوجية تُغيّرُ وجهة البحث، وكما أنه لا يمكننا الإحاطة بجميع نماذج المثقف السوري في هذه الأوراقِ المعدودة، فقمنا باختيار دراسة نموذجين للمثقف السوري، وهما "الفنانُ والأَديب" وأدوارهما في سياقات الثورة، ومن هذين النموذجين يُمكن أن نُصيغَ فكرة عامة عن واقع المُثقف العربي عموماً، والمُثقف السوري خصوصاً، ودوره في التحولات التاريخية العربية الراهنة.

 

أولاً: مفهوم المُثقَّف، وبعضُ أدوارِ المُثقَّفِ العربي زمنُ التحولات التاريخية:

1- في مفهوم الثقافة والمُثقَّف:

أفرزت ثورات الربيع العربي من بداية 2011م أدوات عمل جديدة للمثقفين، وأدت إلى انقلاب في المفاهيم؛ فالثورات أثبتت أن لكلٍ واحدٍ خطاب؛ للسياسي خطابه، وللمُثقَّف خطابه، والقناةُ التي تربط أو تفصل بينهما هي الرأي العام وقضايا المجتمع، وهذه العلاقة المُتشابكة تُحيلنا أولاً، لنُعَرّفَ مفهوم المثقف، فمن هم المثقفون؟

 

إن الثقافة هي كل ما يهدُف إلى تفسير ظاهرة اجتماعية، أو عزلها، وتركز الأنظار عليها، ومنحها معنى محدداً بحيث تغدو جزءاً من بُنية أو منظومة تُضفي عليها قيمة وتُحدد دورها[2]، ومفهوم المثقف في المعاجم العربية مُشتق من: "ثَقَفَ الشيءُ ثَقفاً، وثِقافاً، وثُقوفة؛ وهي الحذقُ، فالمعنى في العربية: الفِطنةُ في صَنعة من الصنائع المادية أو الفكرية "[3].

 

إنَّ تاريخ استعمال هذا المفهوم في الخطاب العربي لا يتجاوز نصف قرن من الزمان، وهي كلمة مُولدة وترجمة للكلمة  الفرنسية Intellectual، وهي مشتقة من كلمة Intellect، ومعناه العقل أو الفكر؛ فهو يعني الشَخّصُ الذي لديه ميلٌ قوي إلى شؤون الفكر، وشؤون الروح "العمال الفكريون"، وإن جُذور التسمية عائدة إلى فرنسا عندما تم الحكم سنة 1894 على الضابط اليهودي الفرنسي "ألفريد دريفوس" بالنفي بتهمة التجسس لصالح الألمان، ولكن بعد ثُبوت زيف الادعاء ضده اتجهت عائلته إلى الرأي العام الفرنسي، واستطاعوا تجنيد شخصيات فكرية مثل إميل زولا وليون بلوم وغيرهم، فأصدر هؤلاء بياناً نشرته لوروز الفرنسية في يناير 1898 بعنوان "بيان المُثقَّفين"، وبناءً عليه شَقَّت الكلمةُ طريقها لتترسم كمقولةٍ عصريةٍ تدل على المشتغلين بالفكر، ويقفون موقف التنديد إزاء ما يتعرض له المجتمع من ظلم من طرف السلطات "سياسية ــ دينية"[4].

 

تأثر إدوارد سعيد بفكرة الفيلسوف الإيطالي غرامشي الذي يرى أنَّ للمُثقَّف دوراً اجتماعياً، ويُقسم الُمثقَّفين قسمين؛ الأول مُثقَّفٌ عُضوي يحمل هموم جميع الطبقات، وقضايا الأمة، ويستمر في العطاء جيلاً بعد جيل، والثاني مُثقَّف تقليدي "رجال الدين ـــ معلمين ..."، وهذا الثاني يبقى جالساً في بُرجه العاجي، ويعتقد أنه فوق الجميع[5].

 

يبين المفكر المصري الدكتور حامد أبو زيد أن مفهوم المُثقَّف، بأنه الإنسان المُنخرط في عملية إنتاج الوعي الذي ينقسم إلى ثلاثة أصناف:

  • الوعي العاطفي الشعوري؛ وهو محور الإنتاج لدى المثقف الفنان.
  • الوعي الفكري؛ وهو محور الإنتاج لأصحاب الفكر.
  • والوعي الديني؛ وهو محور الإنتاج للفقيه ورجل الدين[6].

 وهكذا نرى اهتمام الكثير من الباحثين في تحديد مفهوم الثقافة والمُثقَّف في بداية كل نقاشٍ عن أي عملٍ فكري أو أزمة مجتمعية، ويأخذُ الباحثون بعين الاعتبار دور المُثقَّفين المُؤثر في حياة المجتمع وقدرتهم على صُنع البدائل، فما هي ماهيّة المثقف العربي ودوره زمن التحولات التاريخية العربية ؟ 

 

2- ماهية المُثقَّف العربي ... أنماط وأدوار زمن التحولات التاريخية:

إنَّ أطروحة المفكر الإنكليزي توماس بين، هي خيرُ دليلٍ على دور المثقف، وقدرته على التصدي لأي منظومةٍ تسلطية داخل الدولة والمجتمع بقوله: "إنّي لست عديم الإيمان حتى أتصور أن الله قد تنازل عن الكون، وترك مسؤوليته للشياطين، لذا لا أصدق الحُجج التي يسوقها ملك إنكلترا، ويُصلي من أجلها؛ طالباً العون من السماء لتَنصُره علينا"[7].

 

بقيت علاقة السياسة بالثقافة في "التاريخ العربي ـــ الإسلامي" أمراً بديهياً، ومنذ القديم كان الشعراء العرب يشكلون فئة المثقفين في مرحلة ما قبل الإسلام، وكان مطلوباً منهم أن يُشاركوا في إعلاء شأن القبائل أو ذكر مآثر قومهم، ومع ظهور الإسلام بُنيت الشرعية للمُثقَّف العربي على الفكرة الدينية، ومع تحول الحكم العربي إلى ملكيٍّ جبريٍّ أدى الُمثقَّفون دوراً في شرعنة السلطة أو التصدي لَتجبُّرها، وتعاظم دور المثقفين في عهد الخليفة العباسي المأمون، فكان من المثقفين من ارتبط مصيره بالسلطة للحصول على لُقمة العيش، أو لنيل مكانةٍ اجتماعية وسياسية، ومنهم من لعب دور المثقف العضوي، فكلفه موقفه تضحيات من سجن ونفي وتعذيب ( أمثال: الحسن البصري ـ أحمد بن حنبل ـ ابن رشد)[8]، وتعاقبت الأزمنة العربية، وبرزت أدوار للمُثقَّف في فترة حكم العثمانيين، ومن أبرز من تولى الدور آنذاك عبد الرحمن الكواكبي الذي نَدَّد بالظلم والاستبداد، وعرّفَ الاستبداد بأنه نار غضب الله في الدنيا، وسيلٌ جارفٌ للعمران[9]، وقد صنَّف عزمي بشارة كلاً من الكواكبي وخير الدين التونسي ومحمد كرد علي وعباس محمود العقاد وساطع الحصري والطهطاوي ومحمد عبدة، على أنهم مُثقَّفون عموميون أو عضويين كما جاء في طرح غرامشي، فهو يراهم سَلف المثقف العربي اليوم[10].

 

انتقلت الديناميكية الاجتماعية والسياسية واستراتيجيات التوجيه المعنوي في مرحلة الاستقلال العربي، وبناء الدول القطرية داخل المنطقة العربية من فئة المثقفين إلى الفئة البيروقراطية الحاكمة، وكان ثمن هذا الانتقال التهميش، والعزل المنظم لفئة المثقفين التي أسهمت في صنع الاستقلال، وعملت بيروقراطية السلطة العربية على إلحاق المثقفين وتجنديهم خدمةً لمصالحها، ونجحت إلى حدٍ ما؛ لضعف المثقفين، وهشاشة وضعهم المادي، وبالتالي يُمكن أن نُقسم المُثقَّفين العرب في مرحلة ما بعد الاستقلال لأربعة نماذج، وهي كالآتي:

  • مُثقَّف أشبه بالخبير الفني؛ يُقدم خبرته للسياسي لضمان الأمن الذاتي للثاني.
  • مُثقَّف مُعارض للنظام الحاكم؛ فنراه يتحمل التهميش والتنكيل، وتمتع بهذا أفرادٌ، وليس جماعات.
  • مُثقَّفٌ مُرتدٌ خرج على المجتمع، والتحق بمشاريع أجنبية، وكان موقفه انتهازياً ويائساً.
  • مُثقف اتخذ موقف الانكفاء على الذات، واكتفى بالبحث العلمي، مُتجرداً من أي التزام اجتماعي أو سياسي[11].

وهنا نقول إنّ بالإمكان قياس هذه النماذج على عموم الُمثقَّفين في العالم العربي، وكما أنه بقي تأثير النُخبة المُثقَّفة في المجتمع يَشتدُّ بمقدار ما تعيشُ هذه النخبة هموم المجتمع، وتُسهم في معالجة مُشكلاته وقضاياه.

 

يَتحدثُ الأستاذ في جامعة كامبريج المفكر اللبناني الدكتور يوسف الشويري عن أسباب فشل الدولة العربية الحديثة، ويُجيب بأن الدولة العربية لم تقم على مؤسسات، بل بدأت من الصفر بعد فترة الاستعمار الذي دمَّر البُنى الداخلية، ولم يترك مجالاً للنُخب السياسية والثقافية لتعمل على تغيير دول من هذا النوع، مما أضعف الدولة العربية، وخلق أزمة الأقليات والإثنيات والصراع الحزبي والاجتماعي[12].

 

ففي نهاية القرن العشرين، عملت السلطة العربية على تحطيم المجتمع المدني، وسعت إلى تدميرٍ منتظمٍ للُّحملة الثقافية التي تُشكل نسيج المجتمع المدنيّ[13]، وأصبح المستعمرون المحليون يُشكلون السدَّ الأخير الذي وقف ضد تقدم "البُرجوازية الثقافية الحديثة "[14]. كما عملت السلطة البيروقراطية العربية؛ ليكون الفقهاء والمثقفون رهن إشارتها للهيمنة على المجتمع، ويُعَبّرُ "العروي" عن هذه الإيديولوجية السلطوية بالقول" لا دولة حقيقية دون أدلوجة دولوية، وإن الأدلوجة هي الوجه الأدبي للجهاز، ولكن لا يمكن أن تتكون أدلوجة دولوية إلا بوجود قدرٍ مُعين من الإجماع العاطفي والوجداني بين المواطنين"[15].

 

وأخيراً، وليس آخراً جاءت ثورات الربيع العربي تعبيراً عن أزمات اجتماعية في منظومة القيم والأنساق الداخلية، وطرحت هذه الثورات أسئلةً مصيرية عن دور المُثقف زمن التحولات التاريخية العربية؛ فالنُخب الثقافية العربية لم تكن شرارةَ الثورة؛ لأن الثورات في عامها الأول كانت هبَّاتُ جياعٍ، أو انتفاضات شعبية ريفية غير مُؤطرة تُعبر عن نفسها بالعنف المادي والرمزي، إلا أن عددًا ليس بقليل من المُثقَّفين العرب وجدوا في حركية الشعوب العربية رسالةً ساميةً، وفي جهة ثانية تنطعت ثُلةٌ من المُثقَّفين، وهم أولئك الذين لم تكن تطلعات الشعوب آتية وفق تصوراتهم وآرائهم؛ فساندوا استبداد السُلطة، وأشهروا سلاحهم المعرفي في وجه الثورات، ووقفوا في وجه التغيير العربي[16]، فكيف يمكن أن نفهم واقع المثقف السوري في سياق الثورة ؟ وما هو دوره في الحياة السياسية والاجتماعية في سورية؟

 

 

ثانياً: المُثقَّف السُوري في سياق الثَورة، أيُّ دور؟

1- مواقف المثقف السوري قُبيلَ الثورة

لا بُدَّ قبل الحديث عن دور المُثقَّف في سياقات الثورة السورية أن نتحدث قليلاً عن تاريخية المُثقَّف السوري وعطائه، ونحن لا نقدر أن نحدد بهذه السُطور؛ المظلة التي كانت تجمع مُحددات المثقف السوري خاصة في أواخر القرن الماضي، بين مُثقَّفٍ موالٍ للنظام الحاكم بالمطلق، أو مُثقفٌ انتهازي، وآخر تقليدي ظَلَّ متمسكاً بالبُنى الدينية والاجتماعية والحزبية الضيقة. 

 

بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في سورية؛ خفَّ صوت المُثقَّف السوري الذي صاغ البناء السياسي بعد الاستقلال، ومع انسداد الحلول الديمقراطية في أواخر القرن العشرين، اتَّجه الإسلاميون السوريون إلى العنف (الطليعة المقاتلة)، ولكن في موازاة ذلك برز تيار طالب بدولة الحريات، وقادهُ المثقفون وطلبة الجامعات وأعضاء النقابات المهنية (كالمحامين ـ الأطباء ..)، وفي تلك الأثناء صدر من  بلاد الغُربة (باريس)، كتاب برهان غليون "بيان من أجل الديمقراطية "؛ ليُعلن عن مرحلة جديدة من تاريخ الفكر الديموقراطي، ولكن انتصار السُلطة على الإخوان المسلمين، وعلى القوى الديمقراطية؛ جعل المثقف السوري يخلد إلى مملكة الصمت[17]، وخير مُعبر عن ضبابية المشهد السوري آنذاك رسالةُ المفكر السوري سعد الله ونوس إلى الناقدة المصرية عَبلة الرويني "سأعود إلى قوقعتي وحياتي اليومية، وأوهاميِ التي أَنسُجها وحيداً فيِ غرفتيِ وبين كُتبيِ، وهناك يبدو للعالم كثافةً، وتتخذ الثقافة بُعداً مصيرياً، أما هنا فلا شيءِ إلا الكذب، والفساد، ومَوتُ الأمل .. إننا نحن المُثقَّفون سُلطة ظل شاغلها الأساسي أن تُصبح فعلية ... إننا قَفْا النظام، ولسنا نقيضه أو بديله، يا للخيبة! ويا للحزن!" [18].

 

لم يتعاطى أكثر المُثقَّفين السوريين مع النُخبة العسكرية الحاكمة منذ وصولها إلى الحكم، فتوجهوا إلى المُجتمع من خلال الدعوة إلى بناء الحياة المدنية، وجرى استخدام صيغة البيانات الموقعة كطريقة للتَأثير والتواصل مع الرأي العام، فعند دخول القوات السورية إلى لبنان سنة 1976م ومحاصرتهم تل الزعتر، وقَّع مجموعة من المُثقَّفين - وكان من بينهم سعد الله ونوس - بياناً أدانوا فيه التدخل السوري في لبنان، وكانت بداية رفع المثقفين السوريين صوتهم المعنوي والرمزي، وكذا الأمرُ في سنة 1999م وقَّع عدد من المثقفين السوريين البارزين، أمثال "رياض الترك ومحمد ملص وعمر أميرالاي ونبيل المالح .."، بياناً ثقافياً ـــ سياسياً؛ يُدينون فيه تدخل المؤسسة العامة للسينما التابعة للحكومة في عملهم "بيان الألف"، فاخترق البيان جدار الصمت الذي ساد سنوات طويلة، وأعاد التذكير مجدداً بالمثقف السوري العضوي، ودوره في التأثير في الفضاء العام[19].

 

   كما ازدهر في أواخر القرن الماضي ما سُمي "أدب السجون"؛ الذي كان يُنشر خارج الوطن ويُسرب سراً إليه، ومن ثم برز دور مثقفي ربيع دمشق في 2001م؛ ذلك عندما أطلق الأسد الابن وعوداً بالإصلاح والتغيير، وفتح باب الحريات[20]، ولكن الأنشطة الاجتماعية والاعتصامات قُوبلت بشدة من السلطة، ولكن نتج عن هذا السعي الانتقال من المعارضة المطلبية إلى السياسة المنظمة، فكان صدور إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي في أكتوبر 2004، وتَشكَّلَ تكتل جمع قوى ثقافية وسياسية متنوعة وأحزاب كردية وآشورية ويسارية وقومية وإسلامية؛ وجميع هؤلاء المثقفين اجتمعوا على فكرة "الإيمان بمفهوم الديموقراطية والحريات"، إلا أن الأمر لم ينجح، فطالت الجميع حملة من الملاحقات الأمنية والاعتقالات والتهجير، فتوزع مثقفو سورية داخل الوطن وخارجه، واستمرت حالة التوتر والصراع أو التناغم بين فئة المُثقَّفين والسلطة إلى أن انفجر الشارع السوري في مطلع عام 2011م[21].

 

2- هل المثقف السوري خائنٌ؟

يقول إميل زولا: "إذا سألتني ماذا جِئتَ تفعل في هذا العالم أنا الفنان؟ سأُجيبك: أنا هنا لأعيش بصوتٍ عالٍ"[22]، لذلك لابدّ للمثقف أن يتحلى بالشجاعة، وينطق بالكلمة ويواجه الحقيقة ويكون لسان الناس والحكم عنهم.

 

بكل تأكيد، إن خيانة المثقّف تعني خيانة الشعب وقيم المواطنة والذاكرة الجمعية، بعدما خبرنا تبدُّل جلودهم، وبعد أن خبرنا صمتهم بل وتماهيهم مع سياسة الطاغية المستبد، فهؤلاء اكتفوا بالعبارات الخشبية المقولبة التي كانت وما زالت السبب الأساس في هذه المحرقة التي لم تتوقف، فهنا مثال صابر فلحوط، وهو من تربع على عرش مؤسسة الصحافة الحزبية في عهد الأسدين، الأب والابن، كان خلالها الصوت المجلجل، وشهد النتائج الكارثية التي أودت بالشعب والوطن مثله مثل غيره من مثقفي السلطة الذين لم تتوقف أقلامهم ولا ألسنتهم الطويلة، لحظةً واحدة عن الاستمرار في صناعة الأوهام، وقد كبر فلحوط حتى اعتقدنا أنه مات، ولكن ما لبث أن قام من بين الرماد ليُمطرنا بمقالٍ من العيار الثقيل في جريدة البعث بتاريخ ١٢ حزيران/ يونيو 2015، يذكر أمجاد ومآثر الأب (الخالد)، ويستشهد بأقواله في الصمود والمقاومة.

 

ومِثله حال الدكتور جورج جبور أحد أكبر المنظرين الدستوريين في تاريخ سورية الحديث بقوله: "إلى البعثي الأول، والد آخر دستورين عرفتهما سورية"، أما عيسى درويش فيقول: "أن تجلس مع حافظ الأسد هذا يعني أن خاتم سليمان أصبح في إصبعك"، بالطبع القائمة طويلة وليس انتهاءً بعلي عقلة عرسان الذي تربّع في اتحاد الكتاب العرب أكثر من ربع قرن بالتمام والكمال[23].

 

إن الحجج والذرائع مثل التخلف والإرهاب وتهديد المجتمع (المتعدد) بالأسلمة، لعب عليها مثقفو السلطة في سورية في عهد الأسدين، والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا فعل هؤلاء لإنقاذ السوريين سوى أنهم كانوا وما يزالون الأدوات التي ساهمت في عملية القمع والتهميش والتقزيم للمجتمع والطاقات السورية؟ ماذا نفّذوا في مسيرة التغيير أكثر من تمزيق المجتمع وتخريبه، من خلال سياسة الإخضاع ومساندة المستبد؟[24]

 

3- المُثقَّف السوري في سياقات الثورة، قراءةٌ في نموذجي" الفنان ـــ الأديب":

إن الثورة هي اللحظة التاريخية التي تتحدى فيها إرادة الشعب الحُرَّةُ نظام الهيمنة غير القانوني للسلطة، وأسهم المُثقَّف السوري في رصد هذه الهيمنة وتحليلها، وقد برز في الثورة السورية الانقسام التاريخي بين المثقفين، فتعددت نماذجهم بين مثقف منحاز للحراك الشعبي "الثورة"، وآخر مُؤيد للسلطة ومُشرع خطاب الحاكم، وثالث حيادي يعيش غيبوبة بعيداً عن الأحداث. ومع تنوع الأنماط تنوعت النماذج للمُثقَّفين السوريين من وجهاء اجتماعيين، ورجال دين، وأدباء، وفنانين، ورجال أعمال وغيرهم، وفي هذه الورقة سنكتفي بدراسة نموذجي الفنان والأديب السوريين في الثورة.

 

كانت الحياة الفنية في سورية قبيل الربيع العربي متوائمة في الغالب مع السلطة الحاكمة، فكان عالم الفنانين الأكثر ارتباطاً بالسلطة من غيره، واستثمرت فيه أجهزة الحاكم السطوة والوجاهة؛ لامتلاكه القُدرة على التأثير في الرأي العام، ومن ناحية ثانية استفاد الفنانون بتحقيق مكاسب شخصية ونفوذ سياسي، فلم يكن العالم الفني بعيداً عن التأثُّر والتفاعل والتأثير[25].

 

ارتفع صَوتَ مُثقَّف السلطة الذي اعتاد أن يستثمر عُدته الفكرية؛ لتبرير خيارات النظام وأفعاله مهما كانت، حيث ناصبت فئة من المثقفين السوريين العداء للثورة، من الديني إلى العلماني، من أحمد حسون إلى الأديب نبيل فياض؛ بتُهمة التآمر والسلفية. كما أن الفئات الأخرى من المثقفين توزعت مواقفها بين الصمت، إلى موقف نزعَ إلى عدم القطيعة مع النظام والبحث عن تسوية معه، فنرى الشاعر نزيه أبو عفش وهو الذي يَحتجُ على الثورة بالقول: "فهُم لم يمهلوا النظام السوري للقيام بإصلاحات، فهذه لا تكون في يوم وليلة"، إلا أن فئة واسعة من المثقفين وقفوا مع حراك الشارع السوري، ودعموه بشتى الوسائل، واتّجهت هذه الفئة إلى محاولة إيجاد طريقة للتغيير الجذري، وإقامة نظامٍ ديموقراطي على أسس المواطنة السورية[26]، وظهرت كتاباتُ السوريين من عُمق الحراك، فيسأل الأديب السوري زكريا تامر بسخرية، "هل يَعرفُ الرئيس السُوري الحالي أن الأمهات السُوريات لا يُنجبن الأبناء إلا من أجل أن يُتابع أعوانه قَتلهم؛ تأسيساً لجمهورية القُبور؟"[27].

 

أحدثت مشاركة الفنانين أثراً بالغاً في حراك الشارع السوري، وهؤلاء تعرضوا منذ البداية للتشهير والتهديد، وكانت أول مشاركة للمثقفين السوريين بشكل علني عند إصدار بيان إنساني دُعي "بيان الحليب"، والذي أطلقته الكاتبة السورية ريما فليحان عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك، ووقع عليه 1200 مثقف سوري (مُنى واصف- يارا صبري- عزة البحرة- كندة علوش- عبد الحكيم قطيفان- فدوى سليمان- سميح شقير- ياسر العظمة- مي سكاف..)، وطالبوا السُلطة بإدخال الغذاء والدواء لأطفال درعا، وجرى توقيع البيان في 28 مارس/آذار 2011م، لكنه قُوبل بالعنف، وبحملة واسعة من التخوين من طرف الإعلام والفنانين المؤيدين للنظام السوري[28]، ورد الفنان زهير عبد الكريم على الموقعين على البيان بالقول " تفاجأت بهذا البيان الذي لا يليق بفنانين عاشوا في هذا الوطن وكبروا فيه"، وأعرب الفنان عارف الطويل عن سعادته بوضع اسمه على قائمة العار السورية، وقال أنها قائمة كرامة "[29].

 

وتحدثت الممثلة السورية عزة البحرة وهي إحدى الموقعين على بيان الحليب، عن تبعات هذا البيان، وما أعقبه من حملات التخوين والإقصاء، فقد أصدر المُخرج نجدت أنزور ما سُمي "بيان الشركات"، والذي وقعت عليه نحو 26 شركة منتجة للأعمال الدرامية، وقضى بمقاطعة فناني الثورة والمتعاطفين معها، وكان فريق ثالث من الفنانين "محايدون" أقرب للفئة الموقعة، فقد قرر المنتج المرحوم أديب خير ألا يتدخل في السياسة، وأن يأخذ موقفاً محايداً، وهو المنتج الوحيد الذي رفض التوقيع على بيان الشركات بمقاطعة الفنانين، فاستمر الفنانون معه بأعمال الدبلجة إلى أن اضطر أكثرهم للخروج خارج الوطن[30].

 

لعلَّ العلامة الأبرز لمشاركة الفنانين كانت التظاهرة التي أُطلق عليها "مظاهرة المثقفين" التي اتُفق على خروجها من أمام جامع الحسن، فوجدوا الأمن في انتظارهم، فقام باعتقال 29 فتاة و10 شباب، ومنهم الفنانة مي سكاف ورئيس تحرير مجلة شبابلك إياد شربجي، والأخوان المسرحيان ملص، والموسيقي رامي العاشق، والمخرج نضال حسن، والمصورة ساشا أيوب، والكاتب فايز سارة، والممثل فارس الحلو وغيرهم[31].

 

كان إجماع المثقفين السوريين على موقف واضح تجلى في توقيع بيان " تجمع فناني ومبدعي سوريا من أجل الحرية" في 27 كانون الأول/ديسمبر2011، ونص البيان: "لقد حاول بعضُنا أو كُلنا المقاومة بالفن، وصَون حق الرأي ... لقد حُوصرت مُخيلة المُبدعين السوريين لعقودٍ طويلة في مؤسسات فاسدة ووزارات فاسدة ونقابات فاسدة ... إنَّ فقدانَ المُؤسساتِ شرعيَّتَها الأخلاقية والمِهَنيَّة تَجْعَلُنا نَبْحَثُ عن إنسانيتنا خارج هَذِهِ "الشرعية" المُلطخة بدماء السوريين ...، لقد أيقظت حُريُّة الشارع حريّتنا، نحن لا نستطيع إعادةَ شُهدائنا للحياة، لَكِنَّنا نستطيع تَمْجيدَ الحياة بالعملِ يداً بِيَدْ وقَلباً بِقَلْبْ مع ثورة السوريين لبناء وطنٍ جديد"[32].

 

4- "الفنان والأديب السوري" .... نماذج من دور المثقف في سِياقات الثورة:

من أبرز المواقف التي أثارت اتجاهاً معادياً للثورة، موقف الفنان السوري "دريد لحام" الذي كان من أكثر المؤثرين في مسرحياته وأعماله الفنية بالشارع السوري قبيل الثورة (كانت أعماله تحتوي على نقد ضمني للأنظمة المستبدة وتَغول الأجهزة الأمنية في حياة المدنيين)، إلا أنه ومع بداية الحراك الشعبي في سوريا أخذ اتّجاهاً مختلفاً، ودعا لإعادة انتخاب الرئيس السوري لدورة رئاسية جديدة، ودعا في أكثر من لقاء إعلامي إلى ضرورة نزول الجيش السوري إلى الشارع؛ لينشر الأمان حسب قوله، ومن تصريحاته البارزة في مهرجان الإسكندرية السينمائي أواخر عام 2015م؛ فهو رأى أن ما يجري في سورية مُعقد، ولا يزال الوقت مبكراً لمناقشة ما يجري سينمائياً، في الوقت الذي كان فيه أحد الأفلام المشاركة في المهرجان؛ هو فيلم يحكي مرثية لأم تعيش وحيدة في أطراف دمشق، وتموت في غياب أبنائها، ويصبح لحاقَهم بها مُخاطرة، وفيلم الأم هذا له طابع إنساني، ويُمثل الانتصار لإرادة الحياة عند الإنسان"[33]، ولا ننسى أن دريد لحام هو الفنان الذي نذر نفسه لقضايا حقوقية قومية ووطنية، فكان يعمل سفيراً للنوايا الحسنة لدى اليونيسيف في سورية والعالم العربي.

 

ويُشابه موقفه هذا موقفًا مرتبكًا للفيلسوف والشاعر أدونيس، فأدونيس يُقدم لنا في كتابه الثابت والمتحول مُعنوناً "الثورة حركة شاملة، والهدف الجوهري لكل مثقف ثوري مُبدع، ليس الوصول إلى السلطة، وإنما خَلقُ الوعي الثوري الذي يُحطم البنية اللاثورية في المجتمع"[34]، فأدونيس شاعر الحريات لم يجد شططاً في مساواة الحِراك الشعبي بالسلطة الحاكمة في سورية، فمن خلال كلامه لوكالة الأنباء الفرنسية يقول: "إنَّ مشكلة تغيير النظام في سورية ثانوية، فيما المُشكلة الجذرية التي نحتاج حَلَّها هي تغيير المجتمع"، وبدل أن يُخاطب الشارع كظهيرٍ ثقافي خاطب الرئيس السوري باعتباره رئيس جمهورية مُنتخب، وأوكل إليه نقل سورية إلى الديموقراطية، ونرى تناقضاً مخيفاً في شخصية المثقف الكبير، فهو ينتقد المتظاهرين لخروجهم من المساجد فيما سماه أدلجة الثورة، وهو صاحب المديح الوافر للثورة الإيرانية "الإسلامية" والإمام الخميني[35].

 

وقد وُجهت له انتقادات واسعة من المفكر السوري صادق جلال العظم وعدد لا يستهان به من المثقفين الداعمين لحركة التغيير العربي، فهل كان مطلوباً من السُوريين أن يَتغيَّروا قبل أن يُطالبوا بحل إشكالية مكوث عائلة الأسد في السًلطة أربعة عقود من الزمن؟!

 

ومن المواقف المساندة للنظام السوري كذلك، كان موقف الفنانة رغدة التي وصفت المتظاهرين بالعُملاء، واحتقرت الفنانين الذين وقفوا مع الثورة، وطالبت الأسد باستخدام الكيماوي "أما آن للكيماوي أن يستشيط"، وكما طالب فنان آخر، وهو بشار إسماعيل بمصادرة أراضي الثوار والتركمان في اللاذقية وبانياس، وتوزيعها على أُسَرِ الفُقراء والشهداء من العسكر[36].

 

ومن جهة أخرى، وقف بجانب الثورة والحراك الشعبي عدد غَيّرُ قليل من المُثقَّفين السوريين، من فنانين وصحفيين، وكُتاب، وموسيقيين، وشُعراء وغيرهم، فالمعارضة للنظام السوري امتدت إلى الفن التشكيلي بريشة الفنان السوري علي فرزات، والذي عُرف عنه قُدرته على تشكيل الوقائع بهيئة لوحاتٍ، وهو أحدُ أبرز فناني الكاريكاتير في العالم، ويَجنحُ في رسومه نحو السُخرية المريرة، فكان أن أصدر سنة 2003م صحيفة الدومري الأسبوعية، لكن تمَّ إيقافها بقرار حكومي، وبعد انطلاق الثورة تفاعل مع الحِراك وهو داخل دمشق، فبدأ يَرسُم صُوراً ساخرة لمسؤولين كبار، وطالت رسوماته رأس السلطة "بشار الأسد" في سبعة رسوم كاريكاتورية، وفي أحدها لوحة يظهر فيها الأسد، وقد حزم أمتعته على عِجل ليلحق بسيارة القذافي بسرعة، فكانت هذه الصورة القشة التي قصمت ظهر البعير، وكان أن أوقفته سيارة أمنٍ ومؤيدين تابعين للنظام السوري بدمشق في 25 آب/أغسطس 2011م، فقاموا بكسرِ أصابع يديه وسيارته، وقالوا له: "حتى ما تتطاول على أسيادك"، ورداً للجميل رُفعت رُسوم الفنان في مظاهرات المُدن والبلدات السورية وقوفاً معه، وعندما سُئل فرزات، من أين تُطل اليوم على الثورة السورية ؟ فأجاب: أُطلُّ على المشهد انطلاقاً من انسجام الفنان مع نفسه؛ أيّ فنانٌ يُفكر كما يُعبر تماماً[37] (يُنظر: مُلحق1) .

 

أما النموذج الثاني للفنان المُنحاز للثورة، هو المسرحي هُمام حوت، والذي كان من أكثر الفنانين قُرباً من الرئيس الأسد، وفي متابعتنا برنامج "تغيرنا " على قناة أورينت، نراه يتعمق بشرحه حول دور المثقف السوري، وطبيعة علاقته السابقة بالنظام السوري، فقد كان يطلب منه الرئيس شخصياً أن يُوصل رسائل عن الممانعة والمقاومة إلى الشارع السوري، ويبتعد عن المشاكل الداخلية، وقد اتَّهم الكثيرون همام حوت بأنه فنان سُلطة، فهو كان يتولى أُسرة المتحدين الفنيين، وسُخرت له المسارح القومية في كل سورية، فكانت مسرحياته تحمل شعارات مشروع ممانعة "ليلة سقوط بغداد، وطاب الموت يا عرب .."، وكان يحضر في مسرحه كبار المسؤولين السوريين بمن فيهم رئيس الجمهورية، ورؤساء فروع الأمن، ورئيس الحكومة، ولكنه منذ بداية 2009م وجد ضرورة توجيه مسرحه لمناقشة قضايا داخلية محلية، فجاءت مسرحيته "فساد أكاديمي"؛ لتكشف عن الفساد الحكومي والقبضة الأمنية على مؤسسات الدولة، ومع بداية الثورة طُلب منه الخروج على شاشة التلفزيون السوري ليعمل على تغيير مزاج الشارع الحلبي، وكما جرى تهديده وأسرته بالقتل؛ لأنه رفض الظهور على الشاشات، فخرج إلى تركيا، وقبل خروجه وجه رسالة إلى الرئيس الأسد يطالبه بالتنحي، وأن يحقن دماء الشعب السوري باسم الصداقة القديمة بينهما، إلا أنه تم الحجز على أمواله، واتُهم بالخيانة من قبل النظام والمسرحيين المؤيدين له، وعندما سُئل عن موعد عودته إلى المسرح، فأجاب: "لا مسرح، والدَّمُ السُوري يَسيل بشكل يوميّ"[38].

 

ثالثاً: أيُّ دور  للمثقف السوري، هل هناك أدوارٌ جديدة؟

كان اصطفاف فنانين وأدباء وإعلاميين مع النظام السوري إما سببه دافعٌ طائفيٌّ، أو الخشية من التغيير الذي يطال (حسب رأيهم) مكانتهم، أو قد يوصل من يرونه مخالفاً لأمزجتهم إلى سدة الحكم. وبالتالي سيكون هناك طاقات فنية وفكرية جديدة (دماء جديدة)، ستغير بشكل أو بآخر حتى الواقع الفني المتكلس، أو الثقافي الجامد الذي لم يتغير طيلة عقود، فيما رأى آخرون أن المسؤولية الأخلاقية والدافع القيمي والأخلاقي يفرض عليهم الوقوف ضد المستبد مهما كانت التكلفة والثمن، وسخروا أقلامهم وأفكارهم خدمة لقضية الشعب السوري الثائر.

 

إنَّ من الواجب على المُثقَّف أن يؤدي دوره في مراحل الأزمات التاريخية، فالمُثقَّف عليه بلورة الأمل الكامن في الحراك الشعبي، ولا يكفي قيامه بالمواعظ الأخلاقية ورفع القيمة المعنوية، أو تسخير قلمه ولسانه لمقارعة الاستبداد، فأسئلة كثيرة عن العدالة الاجتماعية، وبناء دولة المؤسسات، والقيام بالواجبات وأداء الحقوق السياسية والاجتماعية تفرض عليه القيام بواجبه على أتم وجه، فأيُّ دَورٍ يُمكن أن يلعبه المثقف السوري في الثورة اليوم، وكيف يُسهم في بناء الحياة السياسية والاجتماعية مستقبلاً؟

 

دفع المُثقَّفون المعارضون أثماناً باهظة من القتل والخطف والاعتقال على يد النظام السوري وداعش وغيرها، فالاعتداء على عائلة الموسيقار السوري الأمريكي مالك الجندلي، وتهشيم أصابع رسام الكاريكاتير علي فرزات، واقتلاع عُيون المصور فرزات يحيى جَربان، وقتل السينمائي الشاب باسل شحادة بقذيفة دبابة، والتصفية الجسدية للروائي ابراهيم خريط، ورامي السيد، وبراء البوشي ممن قضوا اغتيالاً، ونهاية الفنان التشكيلي وائل قسطون في السجون تحت التعذيب، والقيام بعمليات الاختطاف لمثقفين اختفى الكثير منهم، كالناشطة الحقوقية رزان زيتونة وزوجها المحامي وائل حمادة منذ كانون الثاني / يناير2013، ولا ننسى عملية تهجير مئات المثقفين السوريين خارج البلاد[39]، هذه هي أدوار وأثمان للمثقف الذي ينحاز مع الجماهير الثائرة، ولكن بقي هناك ضعف في أداء المثقف السوري خاصة في توجيه الحراك الشعبي؛ ربما بسبب:

  • تسلط الأجهزة الأمنية، والمتابعة المستمرة لأنشطة المثقفين.
  • الانفجارات المعرفية التي جاءت عن طريقة الشبكية الافتراضية؛ جعلت الناس يُصعّدون من الثورة، ويُخطّون طريقهم في المظاهرات العفوية دون قيادة منتظمة يتولاها مثقفون منذ البداية. 

إنَّ المسؤولية متبادلة بين المثقف والمجتمع السوري، إلا أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المثقفين في حمل أمانة تطوير المجتمع، فيمكن أن يُقدم المُثقَّفُ أنشطته على صفحات التواصل الاجتماعي، والتي تعدُّ نوعاً من المشاع الإبداعي؛ ليُعبّر عن مزاج المجتمع وما يُريد، ويؤكد القادري بوتشيش على أهمية تخطي الانسداد الذي وصل إليه المثقف العربي من حيث انفصاله عن الأحداث؛ من خلال طرح مشاريع فكرية على الشبكة الافتراضية تتناسب مع القضايا المعرفية الجديدة بعد الربيع العربي، فالزمن العربي التقليدي تغيَّر من المثاليات والحُلم إلى الزمن العاجل، وعلى المثقف أن ينطلق من هذا الجانب لنشر المعرفة الشبكية والمشاريع الفكرية لتصل إلى معظم الفئات الاجتماعية"[40].

 

ومن الطُرق التي يجب على المثقف العمل من خلالها هي المساءلة النقدية الذاتية، والعمل ما أمكنه لمعالجة الأخطاء والعثرات المُجتمعية، حيث برز مثقفون سوريون تبنوا النقد الثوري في كتاباتهم وأشعارهم وخطبهم، كالشاعرين أنس الدغيم وماجد الأسود "من رواد الشعر الحركي"، إذ تولى كلاً منهما إثارة الروح الوطنية في نفوس المتظاهرين منذ بدايات الثورة، ولم يكتفيا بذلك، بل نددا بتجاوزات الأطراف الثورية، ووجها نقداً لبعض قادة الحراك الثوري والعلماء المنحازين للمستبد أو الرماديين منهم، عبر موقعيهما في الإنترنت، ومن خلال الأمسيات الادبية والفعاليات الثورية داخل سورية وخارجها[41].

 

أما ياسين الحاج صالح المثقف ذو العُمق الثوري الناقد، فقد قضى في سجون النظام السوري ستة عشر عاماً؛ بسبب فكره، وانتمائه اليساري، وهو اليوم يعيش فاجعة مُستمرة باعتقال أفرادٍ من عائلته، واختفاء زوجته، ومع هذا لم ينفك عن محاكاة وقراءة سياقات الثورة السورية، ورصد تحولاتها، والتحذير من كبواتها من خلال كتاباته الغزيرة، ففي مقالته "الثورة، السلفية، الإمبريالية" نراه يرصُد تحولات الثورة الخطيرة، وظلَّ يبني بقلمه ثقافة للحياة، ويُؤسس لأرضية تجمع السوريين يوماً بعد أن يستعيد البلد عافيته، ويعود المهجرون إليه للإسهام في إعماره[42].

 

إنَّ ما أنتجه المثقف السوري في عملية الحراك يُعيدنا إلى ذاكرة الخمسينيات من القرن الماضي، فقد أسس المثقفون السوريون عشرات الصحف والمراكز البحثية، والقنوات التلفزيونية بالرغم من كل مشاهد الدمار والأخطار التي تعرضوا لها، فشرعت الثقافة بالانطلاق من جديد، وكان هذا جزءاً من الدور الذي تحمله المثقف الثائر، وصدرت الصحف السورية المطبوعة والإلكترونيةـ أمثال: مجلة عنب بلدي (داريا)، وبانوراما الثورة (طرطوس)، والفجر الأحمر (اللاذقية)، وطلعنا على الحرية (دمشق)، وضوضاء السويداء، وبرزت العديد من الكُتل والتجمعات الثقافية والحقوقية والعشرات من مراكز الدراسات نواة للمجتمع السوري الجديد (رابطة الكُتاب السوريين، ورابطة الصحفيين، ورابطة المحاميين الأحرار، ومكتب التوثيق الحقوقي في سورية، وتجمع الفن والحُرية "أماجي"، ومركز الجمهورية للدراسات)، إضافة إلى المواقع الإعلامية الإلكترونية (شبكة شام، وأغاريت، وزمان الوصل، وقناة حلب اليوم، ومجلات الثائر السوري..)، ومجلات شبابية أخرى مثل أحرار سوريا، وأحرار قاسيون، وسورية بدا حرية[43].

 

إن الانتصار للمبدأ الأخلاقي هو ما جعل المثقف يبقى متمسكاً بحُلمه على الرغم مما حدث من انتهاكات جسيمة على يد النظام أو الجماعات المتطرفة (خاصة داعش وحزب الله) بحق المثقفين، وهذه الحالة الضميرية عَبَّر عنها مثقف سوري: "سأبقى على حُلمي بالحرية، وعلى يقيني أن الثورة السورية، هي الحقيقة العادلة الوحيدة التي عشّناها منذ أربعة عقود"[44]، وبالرغم من تحول الثورة من حراكٍ سلمي إلى طور العسكرة بفعل الظروف الداخلية والخارجية، فإن كثيراً من المثقفين لم يناصبوها العداء، بل حَمَّلوا النظام مسؤولية هذا التحول، وشكلوا مع الثورة جمهوراً ثالثاً يعيش بين النظام والقوى المتطرفة، كالكاتب حسين عودات، وأعرب عن ذلك برهان غليون بالقول: "في النهاية نحن ماضون إلى هدفنا؛ لأنه من غير الممكن العودة إلى الوراء، ولكن إقامة الدولة الجديدة لن تكون كشُربة ماء؛ يتوجب علينا جميعاً العمل ليل نهار من أجل لملمة أشلائنا وتضميد جراحنا، وسَنخرُج من هذه الحرب كُتلةً من الدمار المادي والنفسي والسياسي، كما خرجت أمريكا من حربها الأهلية، ولكننا سنخرج شعباً جديداً صاحبَ رأي ومبادرة، وسنبني مجتمعاً حراً كريماً على مستوى طموحاتنا، ويليق بدماء الشهداء والجرحى والمنكوبين"[45]

 

خلاصة:

لم يبقَ دور المثقف السوري هامشياً وسط الأحداث في بلده، ولم يقف متفرجاً على فصول الصراع الشعبي مع السُلطة، فلم يكن الدور الذي لعبه المثقف أقل أهمية من دوره قبيل الثورة، بل كان مُواكباً لها مؤيداً أو مندداً، وكما يمكن أن نرى أن المثقف وفي كل زمان ومكان لا يقود حراكاً أو يَصنعُ ثورةً، وإنما يُصيغ المعاني الثورية، ويحاول تأطير عمل أبنائها، ويجابه ظُلمة الاستبداد بكل ما يمكنه، فنراه في الثورة السورية لعب دور المثقف العضوي، وشارك بجانب المجتمع المنتفض، وبقي يردد قوله: "لنقل الحق ونمضي، وقد فات أوان التراجع، بعد أن دُفع الثمن الغالي، المهم الآن الوصول إلى المحطة الأخرى"[46].

 

وهذا لا يعني أنه لم تقف مجموعة من المثقفين رأت مصلحتها بجانب السُلطة؛ ربما خوفاً من العواقب أو انطلاقاً من قناعة ذاتية، فربما لم تقبل تطلعات وتوجهات الشباب المُتحمس في الشارع، وكما بقيت فئة أخرى منزوية في عالم من الصمت، مبتعدةً عن واقع التنازع والأحداث على الأرض.

 

وقد فرض الربيع العربي على المثقف الإجابة عن أسئلة إشكالية، وصَوغ مفاهيم جديدة كالتي أتى بها غيره من مفكرين تنويريين في الغرب أو العالم العربي؛ من أمثال غرامشي وفولتير وإميل زولا، والكواكبي واليازجي والطهطاوي ومحمد عبده وغيرهم، ويبقى السؤال الأخير الذي يجب الإجابة عنه: ما هو المطلوب من المثقف السوري اليوم؟ 

 

وتكمن الإجابة في أنه على المثقف السُوري العمل في اتجاهين، ففي البداية عليه ألا يغرق في الأدلجة التي فرضتها الظروف الداخلية والإملاءات الخارجية في الساحة السورية، ويسعى لوضع أسس ثقافة مواطنة جامعة تترسخ من خلالها مفاهيم إعادة العيش المشترك، وكما على المثقف أن يحمل مسؤولية ثانية، وهي أن يكسب فئة ثالثة من المثقفين لم تشترك بالأحداث؛

 

فهي لم توالي  النظام السوري، ولم تعارضه، ولا خضعت لأي نوع من الشروط الخارجية، وهم المثقفون الحياديون، وتُنعت هذه الفئة في سورية بـ "الرمادية"، وهي لاتزال تحتفظ ببنائها التقليدي، وانكفأت على نفسها مبتعدة عن الصراع، فهناك عدد ليس بقليل من الفنانين والكُتاب والأكاديميين والصحفيين والفقهاء والاجتماعيين ورجال الأعمال بَقوا على حيادهم، وقد تحول بعض منهم عن مواقفه، كالكاتبة هيفاء البيطار التي تحولت من حيادية تلوم القدر إلى نموذج ساخط على سياسة السُلطة والآلة الإعلامية التابعة لها، ويُعدُّ منذر خدام أنموذجاً لانتقال المثقف اليساري من الحافة الرمادية بين النظام والثورة، والدعوة إلى التصالح مع النظام بأبسط الشروط إلى شخص يميل إلى قضايا التغيير والتحول الجذري في سورية، ويمكن للمثقف العضوي من خلال الحوار والطمأنة أن يكسب هذه الفئة لتساعده في مشروعه الوطني، وبالتالي فإن إعادة تأهيل الشعب السوري تتطلب إعادة بناء النُخبة المثقفة التي يجب عليها أن تتجاوز أخطاءها وانتماءاتها الضيقة، وأن تخطو نحو مرحلة جديدة تسود فيها قيم المواطنة والحريات، ويتحقق حلم المُثقَّف السُوري في بناء وطن جامعٍ لكل السوريين.

 

إن الرسالة السامية التي يحملها المثقف المسؤول لمجتمعه ذات أهمية بالغة، فهو بمثابة الرأس للجسد في زمن الأزمات، وعندما يتحلى بالمسؤولية الكاملة يوصف بأنه عضوي على حد قول غرامشي، فهو الذي يحرك الذاكرة التاريخية ويعيد إحياء الأفكار والقيم الروحية والجمعية في نفوس الثائرين ويقول كلمته بكل جرأة وتكون مهمته الأولى والأخيرة البحث عن الحقيقة، وبذلك ينال لقب مثقف المجتمع بكل جدارة.

 

إن ثورة الكرامة السورية هي ثورة تجاوزت كل الحقول المعرفية والتفسيرات السياسية والسوسيولوجية، فهي ثورة عدت اختباراً لتأكيد التزام المثقفين بمعاناة شعبهم وحقوقه، فضلاً عن تحريرهم من واقع التكبيل الأيديولوجي بين ثقافة التسلط والاستبداد وبين النزعة المذهبية الدوغمائية[47].

 

فهي ثورة فتحت الآفاق لإعادة تعريف دور المثقف في حياة الشعوب، وبناء التصورات لواقع مختلف عن المرحلة السالفة التي عاشتها سورية في الفترة الحديثة بعد الاستقلال عن فرنسا ومقاربة الحالة الراهنة، واستشراف الاحتمالات المستقبلية التي تفرضها تطورات المشهد فعلياً لا كما هو متخيل، وبعيد عن المنطق والواقع.


 

الملاحق:

 

 

 

 

 

 

ملحق 1: صور كاريكاتير للفنان علي فرزات .. اللوحة السورية [48]

 

 

 

ملحق 2: خريطة توضيحية لجغرافية سورية الحالية حتى مارس 2021 [49]



الهوامش:

1- أطلقت من بداية البحث اسم الثورة السورية أو الحراك الشعبي على ما يجري في سورية منذ عام 2011؛ فلا بدَّ من الإشارة إلى أن المرحلة الأولى من عُمر  الثورة كانت انتفاضة وطنية ومدنية وسلمية؛ ذات مطالب بالتغيير والإصلاح والحُرية، وبعدها انتقلت إلى طور العسكرة؛ لتفعل الأيدي الخارجية فعلها في  تَخطُّفِ القرار السوري، والتحكم في مسار الأحداث وتطورها منذ عام 2013 وحتى يومنا هذا.  

[2] يوسف الشويري،"دور المثقف العربي في التغيرات التاريخية"، (ورقة بحثية قُدمت في المؤتمر الثالث للعلوم الإنسانية والاجتماعية، مراكش، 19ـــ 21 مارس 2015)، ص 2.

[3] ابن منظور، لسان العرب، تح عبدالله علي الكبير وآخرون، (القاهرة: دار المعارف، د.ت)، ج3، 492 .

[4] محمد عابد الجابري، المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية، ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط3 2008 )،21 ـ 22.

[5] Edward W.Said,Representations of the Intellectual (New York: A Division of Random House,1994),p.4

[6] حسين عوادت، المثقف العربي والحاكم، (بيروت: دار الساقي، ط1 2012)، 55.

[7] صاحب الربيعي، الصراع والمواجهة بين المثقف والسياسي، (دمشق: صفحات للدراسات والنشر، 2010)، 16.

[8] عودات، المرجع السابق، 114.

[9] عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق: محمد عمارة، (القاهرة: دار الشروق، ط4، 2009)، ص 28.

 [10]عزمي بشارة، "عن المثقف والثورة"، مجلة تبين، العدد 4، الدوحة ( 2013 )، 7.

[11] أحمد صدقي الدجاني وآخرون، المثقف العربي وهمومه وعطاؤه، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 2001)،102 ـ 103.

[12] يوسف الشويري،"لماذا فشلت الدولة العربية؟"، لقاء في برنامج "في العمق"، قناة الجزيرة، (الدوحة)، 4 أبريل 2016، شوهد في 2 مارس 2021، يُنظر الرابط:  http://bit.ly/1OtpSAG

[13] برهان غليون، اغتيال العقل، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط6، 2012م)، ص.ص 101 ـ 102.

[14] نديم البيطار، المثقفون والثورة، (بيروت: دار بيسان، ط2 2001)، 134.

[15] عبد الله العروي، مفهوم الدولة، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط9، 2011)، 197.

[16] حمزة مصطفى،"المثقف العربي ومراحل التحول التاريخية"، العربي الجديد، شوهد في 2 مارس 2021، يُنظر:

http://bit.ly/1OumbFs

[17] شمس الدين الكيلاني، "دور المثقف في الثورة السورية بين شهيدٍ ومتفكر"، (ورقة بحثية في مؤتمر العلوم الانسانية والاجتماعية في مراكش،19ــ21 مارس /2015)، 5 ـ 6.

 [18]سعد الله ونوس، "نحن المُثقفون قَفا النظام ولسنا نقيضه"، ملحق السفير الثقافي، شوهد بتاريخ 15 مارس 2016. يُنظر:  http://bit.ly/22eets4، وانظر: عبلة الرويني، "مهزومون حتى العظم: رسائل سعد الله ونوس، مجلة الفيصل، 1 مايو 2018، انظر الرابط: https://www.alfaisalmag.com/?p=9664

 [19]رضوان زيادة، السلطة والاستخبارات في سورية، (بيروت: دار الريس، ط1 2013)، 164ـ 165.

[20] الكيلاني، المرجع السابق، 6.

 [21]زيادة، المرجع السابق، 185 ـ 186.

[22] فوزي مهنا، المثقف السوري والمسؤولية الأخلاقية (خيانة المثقف)، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، إستانبول، 13 أكتوبر 2020. ينظر: https://2u.pw/hBdOH   

[23] فوزي مهنا، المرجع نفسه.

[24] طالب الدغيم، المثقف السوري... المأزق الأخلاقي والجدل الملتبس، موقع كتابات، 2 مارس 2021. ينظر: https://2u.pw/qbprN

 [25]محمد كريم،" الفنانون والسلطة: الثورات تفرزهم إلى فريقين"، العربي الجديد، نشر في 17 يناير 2016، يُنظر:  

http://bit.ly/1OuNT4W

[26] الكيلاني، المرجع السابق، 12.

 [27]الكيلاني، المرجع نفسه، 14.

 [28]تقرير "مقتل 22 فناناً واعتقال 57 من بيان الحليب إلى حملات الترهيب "، الحياة ، لندن، 22 / 6 / 2015، يُنظر: 

http://bit.ly/1spYcmS.

[29] نظَّم نُشطاء ومثقفون سوريون وعرب قوائم للفنايين والمثقفين ضد أو مع الثورة السورية باسم " قائمة العار ـ قائمة الشرف"، شوهد في 2 مارس 2021، للمزيد يُنظر:  http://bit.ly/23Y5Bow   

[30] عدنان عبد الرزاق،" عزة البحرة: نظام بشار الأسد عاقبني لتأييدي الثورة "، العربي الجديد، 10 سبتمبر 2014، يُنظر:  http://bit.ly/1TiuY1u

[31] الكيلاني، المرجع السابق، 16.

[32] بيان تجمع فناني ومبدعي سوريا من أجل الحرية، موقع أماريجي، سورية، 27/12/2011، يُنظر الرابط:

http://bit.ly/1sfG7au  

[33] وكالة رويترز، مقابلة "دريد لحام: الوقت مبكر لمناقشة ما يجري في سورية سينمائياً"، العربي الجديد، آخر تحديث 6 سبتمبر 2015، يُنظر: http://bit.ly/1TclbNI

[34] صاحب الربيعي، المرجع السابق، 14.

[35] معن البياري، أدونيس ... ما هذا البؤس؟، العربي الجديد، نشر في 22 مايو 2014، يُنظر:  http://bit.ly/1spYoSV

[36] الكيلاني، المرجع السابق، 13.

[37] فاطمة ياسين، "علي فرزات: رسمتُ كل الديكتاتوريين في واحد لأنهم متشابهون"، العربي الجديد، 15 فبراير 2016 يُنظر:http://bit.ly/1qmb0IU 

[38] هُمام حوت،" من مسرح الممانعة إلى صفوف الثورة"، برنامج تغيرنا، قناة أورينت، استانبول، 10 أكتوبر 2014، يُنظر:  http://bit.ly/1TivrAO    

[39] الكيلاني، المرجع السابق، 20.

 [40]إبراهيم بوتشيش،"المثقف العربي ودوره في العصر الشبكي والرقمي، (ورقة بحثية في مؤتمر العلوم الإنسانية والاجتماعية في مراكش،19 ـ 21 مارس 2016) .

[41] أنس الدغيم، أُمسية ماضون على خطاكم، قناة يوتيوب، إدلب، 12 أغسطس 2012، يُنظر:

https://www.youtube.com/watch?v=cOIcq6nLU5g&ab_channel=AliAlDaher

[42] ناصر الرباط، "ثقافة الحياة بوصفها فعل مقاومة"، الحياة، لندن، 8 يناير 2016، يُنظر:   http://bit.ly/1TQu0XG

[43] الكيلاني، المرجع السابق، 20 ـ 21.

[44] تُهامة الجندي، لن أترحم على مجرم أدمى قلوب السوريين"، المستقبل، العدد (5150)، 14 سبتمبر 2014، ص 10، يُنظر:  http://bit.ly/1ZgcQrI

[45] برهان غليون، "حوار مع برهان غليون"، مجموعة الجمهورية، 18 فبراير 2013، يُنظر: http://bit.ly/1OczKYT

[46] الكيلاني، المرجع السابق، 26.

[47] أكرم البني، المثقفون السوريون والثورة، الجزيرة نت، 7/1/2013، شوهد بتاريخ: 27 فبراير 2021، ينظر: https://2u.pw/07DBe

[48] علي فرزات،" كاريكاتور"، موقع علي فرزات، 17 مايو 2016، يُنظر:  http://bit.ly/1swkdjN

[49] خريطة سورية، شبكة الإسراء والمعراج، فلسطين، تاريخ النشر: 25 ديسمبر 2012، وآخر تحديث 2 مارس 2021، يُنظر:  http://www.israj.net/?p=5790   

 

 


 

مراجع البحث:
  • المراجع العربية:
  1. إبراهيم بوتشيش،"المثقف العربي ودوره في العصر الشبكي ووالرقمي، (ورقة بحثية في مؤتمر العلوم الإنسانية والاجتماعية في مراكش،19 ـ 21 مارس 2016).
  2. ابن منظور، لسان العرب، تح عبد الله علي الكبير وآخرون، (القاهرة: دار المعارف، د.ت)، ج3.
  3. أحمد صدقي الدجاني وآخرون، المثقف العربي وهمومه وعطاؤه، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 2001).
  4. أكرم البني، المثقفون السوريون والثورة، الجزيرة نت، 7/1/2013، شوهد بتاريخ: 27 فبراير 2021، ينظر: https://2u.pw/07DBe
  5. أنس الدغيم، أُمسية ماضون على خطاكم، قناة يوتيوب، إدلب، 12 أغسطس 2012، يُنظر: https://www.youtube.com/watch?v=cOIcq6nLU5g&ab_channel=AliAlDaher
  6. برهان غليون، "حوار مع برهان غليون"، مجموعة الجمهورية، 18 فبراير 2013، يُنظر: http://bit.ly/1OczKYT
  7. برهان غليون، اغتيال العقل، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط6، 2012م).
  8. بيان تجمع فناني ومبدعي سوريا من أجل الحرية، موقع أماريجي، سورية، 27/12/2011، يُنظر الرابط: http://bit.ly/1sfG7au
  9. تقرير "مقتل 22 فناناً واعتقال 57 من بيان الحليب إلى حملات الترهيب"، الحياة، لندن، 22 / 6 / 2015، يُنظر: http://bit.ly/1spYcmS.
  10. تُهامة الجندي، لن أترحم على مجرم أدمى قلوب السوريين"، المستقبل، العدد (5150)، 14 سبتمبر 2014، ص 10، يُنظر: http://bit.ly/1ZgcQrI
  11. حسين عوادت، المثقف العربي والحاكم، (بيروت: دار الساقي، ط1 2012).
  12. حمزة مصطفى،"المثقف العربي ومراحل التحول التاريخية"، العربي الجديد، شوهد في 2 مارس 2021، يُنظر: http://bit.ly/1OumbFs
  13. خريطة سورية، شبكة الإسراء والمعراج، فلسطين، تاريخ النشر: 25 ديسمبر 2012، وآخر تحديث 2 مارس 2021، يُنظر: http://www.israj.net/?p=5790   
  14. رضوان زيادة، السلطة والإستخبارات في سورية، (بيروت: دار الريس، ط1 2013).
  15. سعد الله ونوس، "نحن المُثقفون قَفا النظام ولسنا نقيضه"، ملحق السفير الثقافي، شوهد بتاريخ 15 مارس 2016. يُنظر: http://bit.ly/22eets4
  16. شمس الدين الكيلاني، "دور المثقف في الثورة السورية بين شهيدٍ ومتفكر"، (ورقة بحثية في مؤتمر العلوم الانسانية والاجتماعية في مراكش،19ــ21 مارس /2015).
  17. صاحب الربيعي، الصراع والمواجهة بين المثقف والسياسي، (دمشق: صفحات للدراسات والنشر، 2010).
  18. طالب الدغيم، المثقف السوري... المأزق الأخلاقي والجدل الملتبس، موقع كتابات، 2 مارس 2021. ينظر: https://2u.pw/qbprN
  19. عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق: محمد عمارة، (القاهرة: دار الشروق، ط4، 2009).
  20. عبد الله العروي، مفهوم الدولة، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط9، 2011).
  21. عبلة الرويني، "مهزومون حتى العظم: رسائل سعد الله ونوس، مجلة الفيصل، 1 مايو 2018، انظر الرابط: https://www.alfaisalmag.com/?p=9664
  22. عدنان عبد الرزاق،" عزة البحرة: نظام بشار الأسد عاقبني لتأييدي الثورة"، العربي الجديد، 10 سبتمبر 2014، يُنظر: http://bit.ly/1TiuY1u
  23. عزمي بشارة، "عن المثقف والثورة"، مجلة تبين، العدد 4، الدوحة (2013).
  24. علي فرزات،" كاريكاتور"، موقع علي فرزات، 17 مايو 2016، يُنظر: http://bit.ly/1swkdjN
  25. فاطمة ياسين، "علي فرزات: رسمتُ كل الديكتاتوريين في واحد لأنهم متشابهون"، العربي الجديد، 15 فبراير 2016 يُنظر:http://bit.ly/1qmb0IU
  26. فوزي مهنا، المثقف السوري والمسؤولية الأخلاقية (خيانة المثقف)، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، إستانبول، 13 أكتوبر 2020. ينظر: https://2u.pw/hBdOH
  27. محمد عابد الجابري، المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط3 2008).
  28. محمد كريم،" الفنانون والسلطة: الثورات تفرزهم إلى فريقين"، العربي الجديد، نشر في 17 يناير 2016، يُنظر: http://bit.ly/1OuNT4W
  29. معن البياري، أدونيس ... ما هذا البؤس؟، العربي الجديد، نشر في 22 مايو 2014، يُنظر: http://bit.ly/1spYoSV
  30. ناصر الرباط، "ثقافة الحياة بوصفها فعل مقاومة"، الحياة، لندن، 8 يناير 2016، يُنظر: http://bit.ly/1TQu0XG
  31. نديم البيطار، المثقفون والثورة، (بيروت: دار بيسان، ط2 2001).
  32. نظَّم نُشطاء ومثقفون سوريون وعرب قوائم للفنايين والمثقفين ضد أو مع الثورة السورية باسم " قائمة العار ـ قائمة الشرف"، شوهد في 2 مارس 2021، للمزيد يُنظر: http://bit.ly/23Y5Bow   
  33. هُمام حوت،" من مسرح الممانعة إلى صفوف الثورة"، برنامج تغيرنا، قناة أورينت، إستانبول، 10 أكتوبر 2014، يُنظر: http://bit.ly/1TivrAO    
  34. وكالة رويترز، مقابلة "دريد لحام: الوقت مبكر لمناقشة ما يجري في سورية سينمائياً"، العربي الجديد، آخر تحديث 6 سبتمبر 2015، يُنظر: http://bit.ly/1TclbNI
  35. يوسف الشويري،"دور المثقف العربي في التغيرات التاريخية"، (ورقة بحثية قُدمت في المؤتمر الثالث للعلوم الإنسانية والاجتماعية، مراكش، 19ـــ 21 مارس 2015).
  36. يوسف الشويري،"لماذا فشلت الدولة العربية؟"، لقاء في برنامج "في العمق"، قناة الجزيرة، (الدوحة)، 4 أبريل 2016، شوهد في 2 مارس 2021، يُنظر الرابط: http://bit.ly/1OtpSAG

 

  •  المراجع الأجنبية:

Edward W. Said, Representations of the Intellectual (New York: A Division of Random House,1994), p.4

 

____________________________________________________________________

(للاطلاع على الدراسة كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)

---------------------------------------------------------------------------------------

الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2021

 

1.37 ميغابايت

تابعنا على الفيسبوك

القائمة البريدية


تابعنا على تويتر

جميع الحقوق محفوطة للمؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024 / تنفيذ وتطوير شركة SkyIn /