المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
ماذا بقي من 'إعلام الثورة والمعارضة'؟!

ماذا بقي من 'إعلام الثورة والمعارضة'؟!

الكاتب: يحيى الحاج نعسان - صحفي وباحث في قضايا الرأي العام

تاريخ النشر: 2020/07/28

 

 بداية عام 2013، ذهبت لإجراء مقابلة صحفية مع شخصية قيادية في إحدى الفصائل الثورية التي كانت تمتلك الصحيفة التي أنشأتها مع بعض ناشطي ومثقفي الغوطة الشرقية، وعندما وصلت إلى المكان الموعود مع مساعد لي (صديق)، وجدت عددا من الشخصيات القيادية من الفصيل لدى من نريد مقابلته والاستفهام منه عن بعض الأمور التي كانت تتعلق بأمن الغوطة وأهلها وقتئذ.

 

ومن فور وصولي بدأت بالأسئلة حول الموضوع الذي كلفوني بإجرائه مع هذه الشخصية، التي أبدت الامتعاض وقالت، لماذا كل هذه الأسئلة، فأجبت لأني صحفي وهذا عملي وموضوع المقابلة قضيتي، فكان الرد" نحن دعوناك إلى هنا لا لتسأل بل لنملي عليك وأنت تكتب ما نريد"!.

 

كشفت اليوم عن هذه الحادثة، التي سترد بقية تفاصيلها لاحقا، بسبب حادثة مشابهة جرت قبل أيام وعلى مستوى أكبر وتمثل برأي مؤشرا خطيرا جدا على وصول الإعلام الثوري أو المعارض إلى حافة الانهيار المهني وربما الأخلاقي، وهو المرض الخطير ذاته أو يكاد أن يكون ذاته، الذي ضرب مؤسسة النظام الإعلامية والقائمين عليها، بداية الثورة وكان أحد الأسباب البارزة في توهجها واشتعالها أكثر.

 

وقبل الحديث عن المرض، فالحادثة باختصار عبارة عن مؤتمر صحفي دعا إليه الائتلاف "الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، وحضره بعض الصحفيين، ومنهم من يمثل مؤسسات إعلامية كبيرة ومحسوبة على الثورة والمعارضة، والأهم أنهم صحفيون قبل أي تسمية أخرى.

 

وعقب انتهاء المؤتمر الذي جرى 14 تموز الجاري، كانت المفاجأة أن موقع الائتلاف نشر على شبكة الإنترنت مادة إعلامية تمثل عبارات إملاء وتوجيهات للسيد رئيس الائتلاف الجديد ولا تتضمن أي إجابة عن أي سؤال صحفي، مع أن الفقرة الثانية من المادة المنشورة تقول بأن ما جرى جاء ضمن "جلسة حوارية" مع الصحفيين.

 

ومن الواضح أن القائمين على موقع الائتلاف حاولوا التذاكي باستخدام  مصطلح "جلسة حوارية"، مع الصحفيين للتهرب من متطلبات مؤتمر صحفي، على مبدأ "جاء ليكحلها فعماها"!

 

والمهم أن من يقرأ المادة المنشورة يعلم أنها بيانا صحفيا وليس لها علاقة لا بجلسة حوارية ولا بمؤتمر صحفي، وإنما هي عبارة عن بيان صحفي موجه إلى الجمهور بطريقة ما يسمى "نظرية إعلام السلطة التي سادت في السبعينات وبدأت بالإنقراض مع بدء الألفية الجديدة وتطور وسائل الإعلام الهائل في السنوات العشرين الأخيرة.

 

ولكن ربما وأقول ربما قد نجد عذرا للقائمين على موقع الائتلاف لأنهم إما لا يعرفون الفرق بين "المؤتمر الصحفي" وبين البيان الصحفي، أو لأن من يعيش على خبز "السلطان" يضرب بسيفه، أو لكلا الأمرين معا، ولكن الطامة الكبرى أن من معظم من حضر من صحفيي مؤسسات أخرى لم يكتبوا شيئا عن هذا المؤتمر، وبعض الوسائل أخذت البيان من موقع الائتلاف كما هو ونشرته مع تعديلات تحريرية ليس أكثر.

 

فماذا فعل هؤلاء الصحفيون في المؤتمر؟، لماذا لم ينشروا وقائع المؤتمر في وسائلهم الإعلامية؟ وهم بذلك "أحرار" في نشر إجابات أسئلتهم أو أسئلتهم التي لم يُرد موقع الائتلاف نشرها أو لم يجدوا لها إجابة واضحة من رئيس الإئتلاف،؟!!!!!

كل هذا والحديث عن مؤتمر صحفي مكتوب، لنتفاجأ بعد يومين من المؤتمر، بنشر موقع الائتلاف لفيديو مسجل للمؤتمر أو للجلسة الحوارية كما أسموها، لنواجه هنا سؤالا أخطر، وهو لماذا لم يكن المؤتمر الصحفي مباشرا؟، حتى النظام مؤتمراته الصحفية أصبحت تبث بشكل مباشر.

 

وإذا بحثنا عن عذر حال دون بثهم للمؤتمر بشكل مباشر، فإن السؤال يتوجه لمن حضر من الصحفيين، لماذا لم ينشروا الفيديو أو مقاطع منه ضمن وسائلهم الإعلامية؟، لنتبين إذا ما كان هناك شيء مختلف عن التسجيل الذي بثه موقع الائتلاف أم لا.

 

وهنا قد يتساءل أحدهم، بلهجتنا السورية؛ "هلأ وقفت الشغلة على مؤتمر صحفي خلبي ؟!..ما الائتلاف كلو ميت سريريا وتتداول السلطة فيه شخصيات محددة وكأنو مزرعة أبوهم".

 

ومن أجل ذلك كان هذا المقال، فلو أن سياسيّي المعارضة ومسؤوليها علموا أن هناك إعلاميين وإعلاما صحيا معافى – والحديث عن مؤسسات إعلامية ثورية ومعارضة كبيرة أو محسوبة عليها، وليس عن صفحات وناشطين وإعلام رديف - فإنهم غالبا ما كانوا ليتجرؤوا على ممارسة هذه السياسية أو لحسبوا ألف حساب قبل أن يفعلوا ذلك.

 

إن المؤتمر الصحفي الخلبي المذكور ليس حالة نادرة في إعلامنا "الثوري أو المعارض"، وإنما مجرد مثال ومدخل للحديث عن هذا الإعلام المريض، الذي تحول وربما منذ سنوات في جزء كبير منه إلى محاكاة "نظرية السلطة "، التي تستخدم الإعلام لإيصال توجيهاتها وأوامرها إلى "الجمهور"، وهذه النظرية، حتى النظام السوري تخلى عنها مجبرا وإن شكلا على الأقل، وذلك بعد ما تأكد له فشلها وانتهاء زمنها إبان ثورة السوريين وثورة تطور وسائل الاتصال والإعلام الرهيبة.

 

ولكن اختيار هذا المثال دون غيره مرده إلى أن المؤتمر الصحفي هو واحد من أهم أسلحة الصحفي في الوقت الحالي، ليس فقط لأنه يضع السلطة في مواجهة القضايا العامة بشكل مباشر، وإنما يصنع أيضا تميز الصحفي وتفرده بالتأثير المباشر على السلطة في جانب من جوانب قضيته.

 

كما أن هذا المثال يعطينا فكرة عن حجم استفحال المرض في إعلام الثورة والمعارضة، فإذا كان الصحفي أو الإعلامي الذي حضر المؤتمر لم يتفرد، بنشر شيء مختلف عما نشره موقع الائتلاف من مادة مكتوبة أو مرئية، فلماذا ذهب وماذا بقي له من دور؟!، وعلى المستوى العام، أي دور يبقى للإعلام الثوري والمعارض عندما يقبل صحفيوه وإعلاميوه أن يكونوا هياكل محنطة؟، أفبعد ذلك يستحق الإعلام شرف اسم الثورة أو حتى المعارضة؟!.

 

وكي لا أنسى ما بدأت به، فعندما قيل لي،" جئنا بك لنملي عليك وتكتب ما نريد"، أجبت "إني ما خاطرت بحياتي ودخلت الغوطة مطلّقا إعلام النظام ليملى عليّ، فأنا صحفي إما أسأل وآخذ الأجوبة على أسئلتي، ثم أضع عملي أمام الرأي العام ليحكم، أو إني لا أحضر، احتراما لنفسي ومهنتي حتى لوكنتم داعمين المؤسسة التي أعمل بها، فرزقي بيد الله وليس بيدكم".

 

 

للاطلاع على المادة المنشورة على موقع الائتلاف، والمقصودة في متن المقالة، اضغط هنا

 

مقالات الرأي التي تنشرها المؤسسة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي المؤسسة.

-------------------------------------------------------------------------------------

الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2020

 

تابعنا على الفيسبوك

القائمة البريدية


تابعنا على تويتر

جميع الحقوق محفوطة للمؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024 / تنفيذ وتطوير شركة SkyIn /